الإنسان مدني بطبعه، وكثيراً ما يقع الظلم والتناحر بين الناس، ولو تُرك أمر الناس لهواهم لفسدت الأرض.
ومن هنا كان لابد من تشريع يحكم نزاعات الناس ويحدد العلاقات بينهم ويصون حقوقهم ويحفظ حرماتهم، من هنا حرر القرآن الإنسان بعقيدة التوحيد الخالص، وفك أسره من عبودية الأهواء والشهوات، حتى تتحقق العبودية الخالصة لله - تعالى -: قل هو الله أحد (1) (الإخلاص)، فإلهكم إله واحد (الحج: 34).
وقد أكد القرآن وحدانية الله - تعالى - بالحجج القاطعة والبراهين الواضحة فقال: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون 22 (الأنبياء: 22)، وبعد أن تترسخ العقيدة الصحيحة في قلب الإنسان، ويصبح التوحيد سالماً من شوائب الشرك يصبح مهيئاً للتشريعات السماوية.
فالصلاة: صلة بين العبد وربه ومنهاة له عن الفحشاء والمنكر. والزكاة: تقتلع من النفس داء الشح والطمع، وعبادة المال، والحرص على الدنيا، وتوطد العلاقات بين المؤمنين. والحج: سياحة ربانية تروض النفس على المشقة فينكشف لها من أسرار الله في خلقه ما لا تقف عليه بغير هذه العبادة، كما أن الحج مؤتمر عالمي يجتمع المسلمون فيه فيتعارفون فيما بينهم وتنتقل عن طريقه المعارف والعلوم. قال - تعالى -: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير 13 (الحجرات)، كما أنه يزرع في المسلمين روح الوحدة والتعاون، وأن هذه الأمة أمة واحدة، وأنه لا فرق بين الأبيض والأسود، والحر والعبد، إلا بالتقوى، كما أنه يذكرنا بيوم المحشر والمعاد. والصوم: ضبط للنفس، حبس للشهوات، تقوية للإرادة ورفع لمستوى الإيمان، وفوق كل ذلك مراقبة للرب، قال - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون 183 (البقرة).
وليست أركان الإسلام فحسب التي لها فوائد تربوية وسلوكية في نفس المسلم، بل سائر تشريعاته كذلك: فالزواج في الإسلام يقوم على المودة والرحمة: قال - تعالى -: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " (الروم: 21)، وقال - تعالى -: " وعاشروهن بالمعروف (النساء: 21)، وحمل الإسلام الرجل المسؤولية والقوامة. قال - تعالى -: الرجال قوامون على النساء "(النساء: 34).